ذكرى وفاة قائد الجيش الأمير العباسي الموفق طلحة.
قضى على فوضى العسكر التركي وسحق الجيوش الفارسية، وأباد تمرد الزنج، فأعاد مجد الدولة العباسية
ففي مثل هذا اليوم.
-
توفي السلطان العباسي وقائد الجيوش وولي العهد الموفق طلحة الناصر لدين الله في مدينة سامراء.
-
وذلك في 3 صفر 278 هجري
-
والموافق في 891/05/17م
-
والده: الخليفة العباسي جعفر المتوكل على الله.
أمه: السيدة أمحق الأندلسية وكانت إسبانية الأصل.
-
-
نشأته
-
-
ولد في سامراء في 21 جماد ثاني 227 هجري الموافق في تاريخ 842/04/07 م، وتربى تربية علمية، فكان عالماً بالأدب والأنساب والقضاء والفقه، غزير العقل، حسن التدبير كريماً حازماً، ذا مقدرة سياسية ممتازة، حتى إن بعضهم رأى بأنه المنصور الثاني لأنه لم يُعْرَف في ولد المنصور من هو أشبه به منه. وكان الموفق ولي عهد المعتمد على الله.
-
وقد نشأ الموفق كبقية أبناء المتوكل في قصر الخلافة في سامراء وكان ملازماً لوالده حتى أنه كان مع أبيه في الليلة التي قُتل فيها، وبعد ايام قتل يغلون الصغدي قاتل ابيه جهارا نهارا.
-
وقد كان المتوكل على الله أتاح لأبنه الموفق أن ينشأ نشأة مميزة إذ تولى تعليمه وتأديبه الزبير بن بكار الذي عمل على تنشئته وإذكاء عقله وشدة عزمه وهمته فلم يتأثر بالترف الذي نشأ فيه ولم ينجرف في طلب الملذات، ولعل ذلك هو الذي كان دافعاً للزبير بن بكار أن يؤلف له كتاباً في الأخبار سُميَ بالأخبار الموفقيات.
-
-
صعوده.
-
-
ظهرت كفاءة الموفق العسكرية أول مرة عندما عهد إليه اخوه الخليفة المعتز بالله بقيادة الجيش لحصار بغداد خلال أحداث الصراع بين المعتز والمستعين فقد أحكم الموفق الحصار على بغداد حتى تمكن من القضاء على مقاومة جيش المستعين وأفضى إلى أن طلب محمد بن عبد الله بن طاهر الصلح بعد أن أيقن بالهزيمة.
-
وبعد هذا النصر وإستقرار الخلافة للمعتز بالله تُوج الموفق أبو أحمد بتاج من الذهب وقلنسوة مجوهرة ووشاحين مجوهرية وقُلِد سيفين وقربه الخليفة المعتز إليه وأدناه.
-
-
سجنه.
-
-
لاحقا دب الخلاف بين الخليفة المعتز والأتراك لمحاولته الحد من سلطتهم وتقريبه للمغاربة والفراغنة إليه وتحريكهم ضد الأتراك فلما فشلت هذه المحاولة قام المعتز بسجن أخيه الموفق ثم قام بنفيه ليبعده عن الخطر لثقة المعتز بأن الموفق كنز لبني العباس وأنه هو القادر على إعادة سيطرتهم بشكل كامل مستقبلا.
-
-
عودته وسيطرته على الجيش وحكمه
-
-
حينما تولى الخليفة المعتمد عام 870م قام بتعيين الموفق قائدا للجيش، وهنا إستغل الموفق أن الجيش كان يعاني من أزمة الرواتب نتيجة إختلاسات القادة الأتراك، فقام بفصل كل القادة وأشرف بنفسه على الرواتب فأحبه الجند وأطاعوه.
-
ويحدث مبالغات في تصوير فوضى العسكر التركي حيث أن هذه الفوضى لم تستمر إلا لمدة تسعة سنوات، بدأت بمقتل المتوكل عام 861م وانتهت بتحكم الموفق عام 870م.
-
وبعد سيطرته على الجيش قضى على الفتن وعمل قبة في إحدى ساحات بغداد ليجلس للمظالم، وعنده القضاة فينصف الناس، وكان يجلس فيها بشكل أسبوعي.
-
ويعتبر الموفق أبا الخلفاء الثاني بعد المنصور إذ أن الخلافة العباسية استمرت في عقبه.
-
-
معركة دير العاقول وإنتصاره على الفرس
-
-
في عام 876م إنتصر الجيش العباسي بقيادة الأمير العباسي الموفق طلحة وعدده 10,000 مقاتل على الجيش الفارسي بقيادة يعقوب الصفاري وعدده 60,000 مقاتل في منطقة دير العاقول واقعة في الطريق الواصل بين واسط وبغداد.
-
وعندما وصل جيش يعقوب الصفاري إلى دير العاقول قام بإستعراض قواته معتقدا بأن هذا سيرهب الجيش العباسي، وأما الجيش العباسي فقد كان ثابتا منظما وفي منطقة أعلى، وكان قائد الجيش الموفق في القلب، وكانت الميمنة بقيادة موسى بن بغا والميسرة بقيادة مسرور البلخي، وكانت المفاجأة عندما أمر الموفق طلحة بفتح سد من سدود دجلة، فأدى هذا الأمر إلى غرق قسم كبير من الجيش الصفاري، وانتشار الفوضى بينهم حيث أصبح همهم الهرب كي لا يلاقوا الغرق.
-
فقرر الأمير يعقوب الصفاري أن يهاجم الجيش العباسي بمن تبقى معه، وقام الموفق بنزع خوذته ورميها وصاح بأعلى صوته: "أنا الغلام الهاشمي"، وقاد الهجوم بنفسه.
-
واشتبك الجيشان وكان القتال محتدما، وكانت الخسائر جسيمة من كلا الطرفين ، وقتل العديد من القادة العباسيين والصفاريين في المعركة، واستبسل العباسيون في القتال ونجحوا بإصابة يعقوب، ومع اقتراب المساء نجح العباسيين في مهاجمة القوات الخلفية للجيش الصفاري، ونجحوا في الوصول للتموين الخاص بالجيش الصفاري وأشعلوا بها النيران.
-
وفي النهاية بدأ ما تبقى من الجيش الصفاري بالهروب من المعركة، وهرب الأمير يعقوب الصفاري من أرض المعركة وهو مصاب، ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام الأراضي التي أغرقها الموفق في بداية المعركة، فغرق قسم كبير منهم واستسلم قسم آخر، وأما يعقوب الصفاري فقد نجح في الهروب.
-
-
إسترداد ولاية فارس
-
-
نجح العباسيون بإسترداد ولاية فارس، وسيطروا على معظم ولاية خراسان، وانحسرت المساحة التي يسيطر عليها يعقوب الصفاري والذي مات كمدا عام 879م، وتولى حكم الصفاريين أخوه عمرو بن الليث الصفاري، والذي أعلن الإستسلام للعباسيين، وتسليم كامل خراسان لهم، وإلتزامه باللغة العربية وبكافة مراسيم الدولة العباسية.
-
-
إبادته لثورة الزنج
-
-
في عام 883م نجح الموفق طلحة في إبادة تمرد الزنج الذي بدأ عام 869م، وقد بدأ هذا التمرد بزنوج تم جلبهم من شرق إفريقيا إستعبدوا وجيء بهم إلى جنوب العراق للعمل في تجفيف المستنقعات الملحية في المنطقة، ولكنهم تمردوا ثم إدعى زعيمهم النسب العلوي، واتخذوا من مدينة المختارة جنوب البصرة مركزا لهم، وأخذ هذا التمرد طابع سياسي واقتصادي وإجتماعي، وبعد نجاح الموفق طلحة في القضاء على تمرد الفرس، تفرغ لتمرد الزنج فحاربهم وقضى عليهم تماما في عام 883م.
-
-
إعادة مصر
-
-
وأما مصر فقد حاول الطولونيون الإستقلال عن الخلافة العباسية في زمن الفوضى، ولكن بعد وصول الموفق للحكم وتهديداته بإرسال جيوشه إلى مصر، قام والي مصر خمارويه بن طولون في عام 884 ميلادي بإعادة الخطبة والتبعية للخلافة العباسية ودفع 300 ألف دينار ذهبي سنويا.
-
-
اولاده.
-
-
ولد للموفق أربعة أبناء هم : أحمد المعتضد، أمير المؤمنين بعد وفاة المعتمد على الله؛ وهارون، لم يعقب؛ وعبد الواحد، وعبد الملك، لم يعقب، مات صغيراً. فلا عقب للموفق إلا من الخليفة أحمد المعتضد
-
-
وفاته.
-
-
توفي الموفق طلحة في 3 صفر 278 هجري والموافق في 891/05/17م في قصر التاج في مدينة بغداد.
وكان مصاباً بداء النقرس حتى إنه لم يكن قادراً على الركوب، فإتُخِذ لهُ سريرٌ عليهِ قبةٌ فكان يقعد عليه، ثم صارت علة رجله داء الفيل وكان يحمل سريره أربعون حمالًا يتناوب عليه عشرونَ عشرونَ وربما اشتد به أحيانًا فيأمرهم أن يضعوه حتى قال لهم يومًا: قد ضجرتم بودي أني واحد منكم أحمل على رأسي وآكل وأني في عافية.
وكان الموفق قد أصبح الولي العهد الثاني للخليفة المعتمد بعد الولي العهد الأول المفوض بن المعتمد، وبعد وفاته أصبح ولده أحمد بن الموفق قائداً للجيش والولي العهد الثاني، وقد نجح ولده أحمد في أخذ الخلافة مباشرة بعد وفاة الخليفة المعتمد، وتلقب بلقب أحمد المعتضد والذي أثبت بأنه من أعظم الخلفاء العباسيين.
**** المصادر:
1) تاريخ الخلفاء، السيوطي
2) البداية والنهاية، ابن كثير
3) الكامل في التاريخ، ابن الأثير
4) سيدات البلاط العباسي، مصطفى جواد
5) موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي، مجموعة مؤلفين
6) الأعلام، الزركلي
7) مروج الذهب، المسعودي
وفيات الأعيان، ابن خلكان
*********************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري.
*********************